سورة سبأ - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}
تقول: الشفاعة لزيد، على معنى أنه الشافع، كما تقول: الكرم لزيد: وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول: القيام لزيد، فاحتمل قوله: {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أن يكون على أحد هذين الوجهين، أي: لا تنفع الشفاعة إلاّ كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له. أو لا تنفع الشفاعة إلاّ كائنة لمن أذن له، أي: لشفيعه، أو هي اللام الثانية في قولك: أذن لزيد لعمرو، أي لأجله، كأنه قيل: إلاّ لمن وقع الأذن للشفيع لأجله، وهذا وجه لطيف وهو الوجه، وهذا تكذيب لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
فإن قلت: بما اتصل قوله: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} ولأي شيء وقعت حتى غاية؟ قلت: بما فهم من هذا الكلام من أنّ ثم انتظاراً للإذن وتوقعاً وتمهلاً وفزعاً من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلاّ بعد مليِّ من الزمان، وطول من التربص، ومثل هذه الحال دلّ عليه قوله عزّ وجلّ {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ: 37- 38] كأنه قيل: يتربصون ويتوقفون كلياً فزعين وهلين، حتى إذا فزع عن قلوبهم، أي: كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزّة في إطلاق الإذن: تباشروا بذلك وسأل بضعهم بعضاً {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ} قال {الحق} أي القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإذَا أُذِنَ لِمَنْ أُذنَ أَنْ يَشْفَعَ فزعْتهُ الشفاعةُ» وقرئ: {أذن له}، أي: أذن له الله، وأذن له على البناء للمفعول.
وقرأ الحسن: {فزع} مخففاً، بمعنى فزع. وقرئ: {فزع}، على البناء للفاعل، وهو الله وحده، وفزع، أي: نفى الوجل عنها وأفنى، من قولهم: فرغ الزاد، إذا لم يبق منه شيء. ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور، كما تقول: دفع إليّ زيد، إذا علم ما المدفوع وقد تخفف، وأصله: فرغ الوجل عنها، أي: انتفى عنها، وفني ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور. وقرأ: {افرنقع عن قلوبهم}، بمعنى: انكشف عنها.
وعن أبي علقمة أنه هاج به المرار فالتف عليه الناس، فلما أفاق قال: ما لكم تكأكأتم عليَّ تكأكأكم على ذي جنة؟ افرنقعوا عني. والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين، كما ركب (اقمطر) من حروف القمط، مع زيادة الراء. وقرئ: {الحق} بالرفع، أي: مقولة الحق {وَهُوَ العلى الكبير} ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبيّ أن يتكلم ذلك اليوم إلاّ بإذنه، وأن يشفع إلاّ لمن ارتضى.


{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)}
أمره بأن يقررهم بقوله: {مَن يَرْزُقُكُم} ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله: يرزقكم الله. وذلك بالإشعار بأنهم مقرّون به بقلوبهم، إلاّ أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به؛ لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم: لزمهم أن يقال لهم: فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار} [يونس: 31] حتى قال: {فَسَيَقُولُونَ الله} [يونس: 31] ثم قال: {فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال} [يونس: 32] فكأنهم كانوا يقرّون بألسنتهم مرّة، ومرّة كانوا يتلعثمون عناداً وضراراً وحذاراً من إلزام الحجة، ونحوه قوله عزّ وجلّ: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُون لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّا} [الرعد: 16] وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضلال مُّبِينٍ} ومعناه: وإنّ أحد الفريقين من الذين يوحدون الرازق من السموات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدّمه ما قدم من التقرير البليغ: دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين، ولكن التعريض والتورية أنضل بالمجادل إلى الغرض، وأهجم به على الغلبة، مع قلة شغب الخصم وفلّ شوكته بالهوينا ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق مني ومنك، وإن أحدنا لكاذب. ومنه بيت حسان:
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ *** فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
فإن قلت: كيف خولف بين حرفيّ الجرّ الداخلين على الحق والضلال؟ قلت: لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدري أن يتوجه. وفي قراءة أبيّ: {وإنا أو أياكم إما على هدى أو في ضلال مبين}.


{قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)}
هذا أدخل في الإنصاف أبلغ فيه من الأوّل، حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين والعمل إلى المخاطبين، وإن أراد بالإجرام: الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن، وبالعمل: الكفر والمعاصي العظام. وفتح الله بينهم: وهو حكمه وفصله: أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8